وهكذا ، أكد البلدان طيلة هذه السنة على التزامهما التام والثابت لتوطيد علاقاتهما الثنائية، من خلال إقامة مشاريع شراكة بينهما وإبرام اتفاقات للتعاون، بالاضافة إلى تبادل الزيارات بين وفود ومسؤولين رفيعي المستوي.
وفي الجانب الثقافي، كان المغرب حاضرا، من خلال علمائه وأكاديمييه، في منتدى التوحيد الصوفي الدولي الذي عقد في ابريل الماضي في مدينة بيكالونغان الاندونيسية ، تحت شعار "دور الصوفية في رفاهية الانسانية وأمن الأمم".
وشكل هذا المنتدى الروحي مناسبة مثالية لإبراز تجربة المملكة في تعزيز القيم الكونية للسلام والتسامح التي ينادي بها الإسلام ، وفق مقاربة دينية وروحانية تعزز التعايش والتفاهم.
وانصب التركيز أيضا على الزيارة الرسمية التي قام بها قداسة البابا فرانسيس إلى المغرب ، والتي توجت بالتوقيع على نداء القدس ، الذي يمثل، وفقا للعديد من المحللين، خطوة هامة إلى الامام لصالح السلام في فلسطين.
كما تم تعزيز المبادلات الثنائية في المجال ذاته في ندوة علمية احتضنتها جاكرتا، في أكتوبر الماضي، حول منهجيات ومناهج العلوم الاسلاميه وتعليم العلوم الشرعية في المغرب.
وبالموازاة مع ذلك، تم تسليط الضوء أيضا على تجربة المغرب في الدراسات الجامعية في العلوم الاسلامية على مستوى العاصمة الاندونيسية ، خلال اجتماع تحضيري لافتتاح العام القادم للجامعة الاسلامية الدولية في ديبوك بإندونيسيا. وستضم هذه المؤسسة الاندونيسية للتعليم العالي ضمن أطرها التدريسية أكاديميين مغاربة على أمل الاستفادة من خبراتهم ، فضلا عن السمعة الدولية للجامعة التي تخرجوا منها، وهي جامعة القرويين بفاس ، التي تعتبرها اليونسكو أقدم جامعة في العالم.
وفي العام ذاته، وضع المغرب بصمته على المشهد الثقافي في اندونيسيا ، بعد أن اختير كأول ضيف شرف في الدورة الحادية والعشرين للمعرض الدولي "ايناكفت" الذي أقيم ، نهاية ابريل الماضي، في العاصمة الاندونيسية جاكرتا.
وحضر هذا المعرض الدولي الهام في جنوب شرق آسيا كاتبة الدولة السابقة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي ، السيدة جميلة المصلي ، وممثلين عن دار الصانع ، ومهنيي القطاع، وحرفيين وفرق فلكلورية ألهبت برقصاتها وأدائها حماسة زوار رواق المغرب في المعرض.
وبفضل هذه المشاركة، توافرت للمغرب، الغني بتراثه العريق، بوابة ثقافية مميزة على الجانب الآخر من العالم للتعريف بثراء خصوصياته الثقافية. وشكلت حرف الصناعة التقليدية جسرا للدبلوماسية الثقافية للمملكة في اندونيسيا بتعريفها بالتراث غير المادي للمملكة في الخارج.
وشكل الاحتفال ب"يوم افريقيا" في جاكارتا في مايو الماضي، مناسبة ايضا للجانب الاندونيسي لإبراز عرى الصداقة والتعاون مع المغرب ، كشريك استراتيجي رئيسي في القارة الافريقية، يحظى بموقع استراتيجي فريد في مفترق الطرق بين افريقيا وأوروبا والعالم العربي.
اما بالنسبة للتعاون المغربي الاندونيسي في المجال القضائي ، فقد تعزز بتوقيع مذكرة تفاهم بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمحكمة العليا في اندونيسيا في يوليوز الماضي.
ويهدف الاتفاق، الذي وقعه في جاكارتا نائب رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية والرئيس الأول لمحكمة النقض السيد مصطفى فارس ورئيس القضاة في اندونيسيا السيد محمد علي حتا، إلى تعزيز التعاون في مجال الإصلاح القضائي والشفافية القضائية والتكوين والمساعدة القانونية المتبادلة.
وعلى الصعيد الاقتصادي ، دعا وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، السيد عبد القادر عمارة ، من بالي إلى ادراج الشراكة الجديدة بين افريقيا واندونيسيا ضمن منطق ربحي للجانبين، مستعرضا تجربة المغرب في مجال التعاون جنوب-جنوب، الذي تحظى فيه القارة الافريقية بمكانة خاصة.
ولدى مشاركته في الجلسة العامة للحوار الاندونيسي-الافريقي حول البنية التحتية الذي عقد في غشت الماضي ، أبرز السيد عمارة أيضا أهمية تطوير علاقات التعاون الثنائي بين المغرب واندونيسيا، من خلال تعزيز المبادلات في مجالات متنوعة، كالنقل وتطوير البنية التحتية والصناعة والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فضلا عن مجالات التكوين وتبادل الخبرات والتجارب.
ووقع المغرب، مرة أخرى في بالي ، على مشاركة مميزة في منتدى الري العالمي الثالث، الذي نظمته اللجنة الدولية للري.
وكانت المملكة أيضا ممثلة، في أكتوبر الماضي، في المعرض التجاري الرابع والثلاثين لاندونيسيا ، وهو أكبر ملتقى تجاري في البلاد ، بوفد مغربي هام يمثل جهات الدار البيضاء-سطات وفاس-مكناس وطنجة-تطوان-الحسيمة، لبحث فرص الشراكة والاستثمار في أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا.
كما قام وفد مغربي ثان برئاسة رئيس جهة سوس ماسة ، إبراهيم حافيظي، وضم كبار المنعشين الاقتصاديين في الجهة، بزيارة لاندونيسيا لبحث آفاق التعاون التجاري مع نظرائهم الاندونيسيين في هذه السوق الاسيوية المزدهرة.
وانصب اهتمام البلدين أيضا على تعزيز التعاون البرلماني المغربي-الاندونيسي، حيث قام نائب رئيس مجلس النواب الاندونيسي أغوس هيرمانوس بزيارة إلى الرباط وأجرى محادثات مع رئيس مجلس النواب السيد الحبيب المالكي.
وأكد السيد المالكي، بالمناسبة، على المكانة التي تحظى بها أندونيسيا على الصعيدين الإقليمي والدولي، وعلى الدور الريادي الذي اضطلعت به، إلى جانب بلدان مثل المغرب، داخل حركة عدم الانحياز لخدمة القضايا الافريقية والاسيوية.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، شهد العام الحالي زيارات مكثفة متبادلة بين الجانبين تمثلت في زيارة العمل الاولى من نوعها التي قام بها السيد ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج إلى إندونيسيا في أكتوبر الماضي.
وخلال هذه الزيارة، ثمنت رئيسة الدبلوماسية الاندونيسية ريتنو مارسودي عاليا مواقف جلالة الملك وجهود جلالته الحثيثة لنصرة القضية الفلسطينية بوصفه رئيسا للجنة القدس ، معربة عن رغبة بلادها في تعزيز التعاون مع المملكة ، البلد الرائد في منطقته، وخاصة في المجالات الاقتصادية والاكاديمية والثقافية والامنية.
وأجرى السيد بوريطة، خلال هذه الزيارة أيضا، مباحثات مع شخصيات بارزة في الساحة السياسية والبرلمانية الاندونيسية، من بينهم نائب رئيس الجمهورية السيد أمين معروف ورئيسة مجلس النواب الاندونيسي السيدة بوان مهراني.
وتم خلال الزيارة التوقيع على أربع اتفاقيات تشمل التعاون في المجالات البحرية والصيد البحري والصناعة ومكافحة الإرهاب ، وكذلك تبادل المعلومات المالية بشأن غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقال سفير المغرب لدى اندونيسيا ، السيد وديع بن عبد الله ، إن عام 2019 شهد على عمق العلاقات المغربية الاندونيسية التي بلغت مرحلة النضج ، مشيرا إلى استعداد الرباط وجاكارتا للاحتفال بالذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتي تصادف عام 2020.
وخلص إلى أن لحظات مؤثرة ميزت العلاقات المغربية الاندونيسية خلال هذا العام الذي يشارف على الانتهاء، واضعة بالتالي الأساس للتعاون الشامل لفائدة البلدين وشعبيهما.