1-بعد شهور من الحجر الصحي وأزمة كورونا، كيف ترون معالم الوضع الثقافي بجهة بني ملال خنيفرة على وجه الخصوص، ومساهمة "دار الثقافة في النهوض بهذا الوضع ؟
-لقد رفعت "دار الثقافة بني ملال" التحدي منذ بداية الجائحة، مرورا بفترة الحجر، وإلى يومنا هذا، لتستمر في الاشتغال رغم كل الظروف، على اعتبار أن الفنون والثقافة، مجالات أساسية لحياة أي إنسان متحضر. وقد اعتبرت قراءة "رسالة اليوم العالمي للمسرح" بقاعة عروض دار الثقافة بني ملال، أول برنامج ثقافي لبنيات الاستقبال الرسمية على الصعيد الوطني، وقد أعلن عنه في بداية الحجر.
وفي هذا الإطار نهجنا خطة اشتغال محكمة، وفق برامج أسبوعية، عوض نظام البرامج الشهرية الذي كان متبعا من قبل، وذلك تماشيا مع تسارع وتغير الأحداث على الصعيد الوطني، مما يحتم الاستعداد للتأقلم في محتوى البرامج المقترحة وطبيعة المتدخلين فيها. واقترحنا برامج فنية وثقافية متنوعة على منبر دار الثقافة بني ملال الافتراضي الرسمي، وهو مجموعة فايسبوكية يبلغ عدد أعضاءها أكثر من 21 ألف عضو، وهو ما نعتبره مدعاة للاعتزاز لنا وللقطاع، لأننا آمنا بأهمية التواصل الافتراضي منذ شروعنا في الإشغال بالمؤسسة، وذلك منذ ست سنوات، في فترة كانت تعتبر فيه وسائل التواصل الاجتماعي مصدر إزعاج لبعض بيروقراطيي القطاع.
لقد تنوعت فقرات برامجنا المقترحة، طيلة فترة الجائحة، بين عروض فنية عن بعد، وحوارات مع كفاءات فنية وثقافية ومسؤولي المجال الثقافي في المدينة، وخصصت بعض الحلقات للتعريف بمبادرات الشباب في المجال الثقافي ارتباطا بالوضعية الوبائية، وقمنا كذلك بتنظيم معارض فنية افتراضية وأخرى حضورية، ومسابقات تنافس فيها المشاركون على جوائز رمزية، من بين المسابقات "حكاية من داخل الحجر الصحي" التي خصصت لإبداعات الناشئة، ومسابقة صناعة المحتوى الإبداعي، التي اعتبرت تميزا آخر لبرامجنا ولملاءمتها لاهتمامات المرحلة، كما نظمنا قراءات شعرية تبث على الصفحة من دار الثقافة بني ملال، بالإضافة لمنشورات رقمية تعرف بالمعالم الثقافية للمدينة.
ومع الانفراج الذي عرفته بلادنا مع الإعلان عن تخفيف بعض الإجراءات الإحترازية، اشتغلنا على برامج تكوينية، جمعت بين الشق الحضوري والنقل المباشر على مجموعة دار الثقافة الفايسبوكية، بتأطير من لدن كفاءات وطنية وازنة، من قبيل برنامج "استوديو تياتر" وهو مختبر للتكوين المسرحي بمقاربة حقوقية أشرفت عليه جمعية آرتيليلي للفنون، بتنسيق مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان
ولا يفوتنا أن نشيد بجمعيات المجتمع المدني التي اشتغلت مع دار الثقافة بني ملال بكل روح مسؤولية، في تنظيم معظم البرامج، وآمنت معنا بأهمية الفن والثقافة في ظرف طرحت فيه مسألة الأولويات بشكل مغلوط.
و"دار الثقافة بني ملال" تخضع اليوم لبعض الإصلاحات الضرورية، تزامنا مع فترة تشديد الإجراءات الإحترازية، مما اضطرنا للعودة للإشتغال عن بعد، تماشيا مع تعليمات السلطات المحلية. وكلنا استشراف لانفراجات قريبة، تسمح لنا باستقبال أهم العروض الفنية، كما عودنا جمهورنا.
2-هل هناك أهمية وضرورة للثقافة في سيرورة مواجهة هذه الظرفية الوبائية من جهة، وتعزيز دور الفن والثقافة في تنشيط المشهد الثقافي والتنموي؟
-لا شك أن الفعل الفني والاشتغال الثقافي ضروريان للإنسان في كل الظروف، عكس ما روج له كثيرون، إذ أن المجتمعات تحتاج لفنانيها ومثقفيها ومفكريها في الظروف الاستثتائية وفي الأوضاع العصيبة، أكثر من أي وقت أو ظرف آخر. ومما يؤكد ذلك أننا شاهدنا دولا كثيرة ترفع من قيمة الميزانيات المخصصة للفن والفكر والثقافة، رغم إرهاصات الانكماش الاقتصادي الناجم عن الظرف الوبائي.
ويكفي أن نتذكر أن فئة الفنانين والفنانات كانت حاضرة بقوة للتحسيس بضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية، أكثر من أي فئة أخرى. كما كان للثقافة والفن دور تثقيفي وترفيهي في نفس الآن، يخفف من تأثيرات تبعات الجائحة على المواطنات والمواطنين، وكانت لها كذلك أدوار إخبارية وتوثيقية وتأطيرية بادية للعيان. وقد تعلمنا جميعا من تجربتنا مع هذه الجائحة، أن الفن قرين للإنسان، يستعين به لمواجهة كل الأزمات.
3-ماهي توجهاتكم ورهاناتكم في علاقتها بمحاور برامجكم في مجال تطوير العمل الثقافي بالجهة عموما ومدينة بني ملال على وجه الخصوص؟
-كانت "دار الثقافة بني ملال" سباقة، لوضع مقترح اشتغال استعجالي وبديل، برؤية مسؤولة وأهداف واقعية وطموحة، اعتمادا على مقترحات منهجية وبناء على خطوات إجرائية واضحة. وقد اشتغلنا عليها في الأيام الأولى لإعلان الحجر الصحي، بدون تردد، وشرعنا مباشرة في الاشتغال على مقترحاتنا، بإشراف من المديرية الجهوية، وبتنسيق مع السلطات المحلية. وكان مقترحنا محفزا لعدد من المبادرات ، بنهج الإشغال عن بعد، وبما يتلاءم وتغيرات الوضعية الوبائية.
ونحن اليوم نستشرف تجاوز هذه الجائحة، يمكننا أن نقول أنه بقدر قساوة مستجداتها، بقدر إيجابيات مكتسباتها، فقد أصبح التواصل أسهل، والإنجاز أسرع، والإشعاع أكبر، ولا شك أن الإبداع سيعرف طفرة نوعية في القادم من الأيام، كما وكيفا، وذلك لأن مجالات الفن والفكر والثقافة انتعشت على مرّ التاريخ من المعاناة والظروف الاستثنائية، ولا يمكن لظرفنا اليوم أن يكون استثناء. والتحدي اليوم هو أن نعود بحياتنا الفنية والثقافية بشكل أفضل مما كانت عليه قبل الجائحة، وذلك بالحفاظ على مكتسبات المرحلة الحالية، والاستعداد اللائق بتطلعات المرحلة القادمة. علينا أن نتخلص من كل ما كان يعيق تطور مجالاتنا الفنية والثقافية، حتى لا يستمر معنا هذا الوضع الموبوء الذي لا يليق بنا وببلادنا وحضارتنا العريقة.