آمال ابنة مدينة خريبكة، والحاصلة على شهادة "الماستر" في الهندسة الجيو- فيزيائية من أكاديمية موسكو للبحث العلمي بروسيا، شاءت الأقدار أن تهاجر إلى الأردن، منذ عشرين سنة، كلها طموح وتفاؤل لمجابهة كل المعيقات والصعاب.
هذه المواطنة المغربية لم يثنها عدم العثور على منصب شغل يتلاءم مع تخصصها العلمي، عن طرق أبواب أخرى انتهت بسلك مسار التدريس في مؤسسات تعليمية خاصة رائدة بالأردن بكل ثقة واقتدار، لتبرهن بذلك على مدى قدرة المرأة المغربية على مواجهة الصعاب وتحديات الحياة وإثبات الذات في بلد المهجر.
السيدة آمال، التي توزع مشوارها الدراسي خلال ثمانينيات القرن الماضي ما بين المغرب وروسيا التي قضت بها ست سنوات طلبا للدراسة والتحصيل، ساعدها حبها وانفتاحها على اللغات الحية على التوجه نحو تدريس اللغة الفرنسية والإشراف على أساتذة هذه المادة بأسلاك مختلفة بإحدى المؤسسات التعليمية المرموقة في الأردن.
الدراسة في روسيا الاتحادية كان لها الأثر الكبير في تكويني المعرفي، تقول أمال في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، مشيرة إلى أن محطة روسيا "كانت من أجمل اللحظات في حياتي استفدت منها جيدا فالشعب الروسي شعب مثقف والعيش بموسكو ولد في نفسي الشغف بقراءة الكتب".
فالتحصيل المعرفي والعلمي، تضيف آمال "لا حدود له ولا يتوقف عند سن معينة وخير دليل على ذلك الأساتذة الروس الذين درست على أيديهم في أكاديمية موسكو للبحث العلمي فقد كان سنهم فوق الثمانين تقريبا وهذا يزرع في الإنسان روح التحدي في سبيل التحصيل العلمي والارتقاء المعرفي".
بعد ست سنوات من الجد والمثابرة أنهت أمال دراستها وحصلت على شهادة "الماستر" بامتياز في تخصص كانت تميل إليه كثيرا لتظل هذه المرحلة التي تعلمت فيها أشياء كثيرة، راسخة في ذهنها، قبل أن تنتقل بعد ذلك رفقة زوجها الأردني المتخصص في هندسة الشبكات للعيش في المملكة لتبدأ رحلة الاندماج داخل هذا البلد العربي الشقيق والبحث عن وظيفة تتلاءم مع تخصصها.
التأقلم مع ظروف الحياة خلال السنة الأولى من التحاقها للعيش في الأردن وعدم إيجاد وظيفة، لم يقوضا من عزيمتها على شق طريقها بثبات نحو ما تصبو إليه.
"السنة الأولى من التحاقي بالأردن كانت شيئا ما صعبة من ناحية التكيف مع ظروف الحياة وخاصة مع اختلاف العادات والتقاليد، غير أني واجهت ذلك بعزم وإرادة وبدعم من زوجي وعائلته استطعت الاندماج داخل المجتمع الأردني الذي يكن كل الاحترام والتقدير للمغاربة"، تقول السيدة أمال.
وشكل التعرف على سيدة مغربية تشتغل كمدرسة في إحدى المؤسسات التعليمية، حافزا لها لاقتحام عالم التدريس بعدما اقترحت عليها ولوج هذا المجال، خاصة وانها تتقن الحديث باللغات الحية ومصرة على الانخراط في الحياة العملية.
استجابت آمال للفكرة وقررت خوض تجربة لم تكن تخطر ببالها من قبل، فولجت مجال التدريس من باب الطموح في الاشتغال وعدم الاستسلام والركون في البيت. ومع توالي السنوات، تضيف السيدة أمال، "زاد تعلقي وشغفي بمهنة التدريس ولم يساورني الندم على السير في هذا المنحى المغاير لمجال تخصصي العلمي".
طيلة عشرين سنة تقريبا وهي تمارس مهنة التدريس، نسجت أمال الأم لبنتين، واحدة تتابع دراستها بسلك "الماستر" تخصص الهندسة المدنية، والأخرى في تخصص هندسة الشبكات، علاقات طيبة وحميدة مع زميلات وزملاء لها في المهنة وكسبت ودهم واحترامهم وتقديرهم، وجسدت بحق نموذجا للمرأة المغربية المتألقة التي استطاعت أن تفرض مكانتها في مختلف الميادين سواء داخل المغرب أو خارجه.
ورغم مرور ردح من الزمن، على استقرارها بالأردن وحملها أيضا لجنسية هذا البلد، إلا أن تعلقها بوطنها الأم المغرب ظل حاضرا في وجدانها "فلا يمكن أن تمر السنة دون أن أسافر إلى بلدي مرة أو مرتين لزيارة الأهل والأقارب فعشقي لوطني لا حدود له" تقول السيدة أمال.
هذا الارتباط الوثيق بالوطن جعلها حريصة كلما سنحت لها الفرصة على التعريف بالعادات والتقاليد المغربية الأصيلة والعريقة داخل المجتمع الأردني.